Wednesday, 14 September 2016

المقتنيات الفنية للفنانين معرض الناشنول غالري في لندن

معرض عن المقتنيات الفنية للفنانين 

 تبتكر إدراة الناشنول غالري في لندن أفكاراً متجددة وغير مألوفة لجذب المزيد من الزوار والسياح للدخول الى هذا الصرح الثقافي المدهش وسط لندن. لذلك تحرص إدارة الغالري على عرض الأعمال الفنية بسياق ومنظور مختلف، كأنها تحاول إشراك الزوار في عملية بحث وإستقراء فنية لمصادر وملهمات الفنانين، وتحفز لدى الزوار خاصية النقد والتحري، وتخلق وتنمي لديهم النظرة الفاحصة للعمل الفني والمراجع التي إستلهمها الفنان، ومحفزاته  على الإبداع. وهذا ما حصل في معرض المقتنيات الفنية للفنانين، حيث تجمع إدارة الغالري خمس وثمانين لوحة، نصفها من مقتنيات الناشنول غالري والنصف الآخر من المقتنيات الخاصة للأفراد وبعض المعاهد والمتاحف حول العالم، تغطي هذه اللوحات فترة خمسة قرون من تاريخ الفن، لا رابط بين هذه اللوحات ومبدعيها غير شيء واحد، إنها كانت معلقة في بيوت الفنانين المشهورين وتأثروا بها في إبداع أعمالهم اللاحقة. لا يكتفي المعرض بهذا، بل يزيد بوضع اللوحة الأصلية المقتناة جنبا الى جنب مع لوحة الفنان التي نتجت عن تأثره بها، كأن هدف المعرض هو سبر العلاقة المتبادلة بين اللوحة والفنان الذي إقتناها. فاللوحة تتجاوز كونها ديكوراً يزين بها جدار غرفة جلوس أو مرسماً ما، الى كونها باعثة على الإلهام والتنافس الخفي وسبر أسرار الإبداع الفني، كأن كل لوحة معروضة  تقول للزائر: إنظر وتفحص ونم ذائقتك الفنية وكلما زرت معرضاً فنيا إبحث عن الملهمات التاريخية والفنية لكل فنان.
هناك عوامل أخرى تسهم في عملية إقتناء اللوحات بين الفنانين وهي الروابط الشخصية بين الفنانين أو التقارب الروحي والفني أو حتى الإنتماء الى جيل أو بلد واحد أو المكانة الاجتماعية لكلا الفنانين والرغبة في محاكاة إنجاز الآخر.

اولى قاعات المعرض خُصصتْ للرسام البريطاني لوسيان فرويد وهو حفيد عالم النفس سيغموند فرويد، غادر لوسيان فرويد برلين مع عائلته حين كان بعمر الحادية عشر بعد صعود المد النازي، وأصبح مواطناً بريطانياً عام 1939وكجزء من إمتنانه لهذا البلد أهدى الناشنول غالري مجموعة من مقتنياته الفنية. يستقبل الزوار بورتريت شخصي للرسام يعود تاريخه الى عام 2002 وهي لوحة تؤرخ لشيخوخته وكما معروف ان فرويد يتقن رسم نظرته المركزة الغائرة، وهو غير معنياً إطلاقا بتجميل ملامحه بل من ملاحظة كثافة اللون ونتوءات ضربات الفرشاة، نستشف عدد المرات التي مرر فرشاته على وجهه المليء بالغضون والتجاعيد كأنه يؤكدها، كما يؤكد يده المليئة بالعروق التي تمس ربطة عنقه، وقبل رسمه لهذا البورتريت، إقتنى لوسيان فرويد عام 2001 لوحة بعنوان (المرأة الإيطالية ذات الأكمام الصفراء) للرسام الفرنسي كاميل كورو يعود تاريخ اللوحة الى عام 1870، من مزاد علني وعلقها في الطابق العلوي من بيته في لندن، وهي لوحة تصور خادمة بزي تقليدي وأكمام صفراء براقة تنتهي بأشرطة، لكن نظراتها الغائرة والتي تميل بزاوية مائلة هي ما يميز هذه اللوحة، ليس صعباً أن نكتشف إن نظرة فرويد في لوحته الشخصية مستوحاة من نظرة الخادمة ذات الأكمام الصفراء في لوحة كورو، إقتنى فرويد أيضا عام 1999لوحة (ظهيرة في نابولي) للرسام الإنطباعي بول سيزان والتي سرعان ما سيظهر تأثره بها في لوحته المسماة (ما بعد سيزان) والتي تصور إمراتين ورجل كما في لوحة سيزان رغم إختلاف الثيمة بين اللوحتين وكذلك العلاقة بين شخوص اللوحتين. 



 مقتنيات هنري ماتيس الفنية
القاعة الثانية خصصت للرسام الفرنسي هنري ماتيس(1869/1954) وأيضا يستقبل الزوار ببورتريت شخصي يعود الى عام 1918يصور نفسه منغمسا في الرسم يحمل لوحة الوانه وفرشاته، إقتنى ماتيس عام 1899 لوحة سيزان الشهيرة ( المستحمات الثلاث) التي يعود تاريخها الى عام 1879 وهي لوحة كثيفة تصور ثلاث نساء كل واحدة بشعر مختلف (احمر وأشقر وأسود) يستحممن في بركة وقت الغروب تؤطرهن شجيرتان بينما تتراقص ظلالهن وظلال القمر على صفحة الماء، دفع ماتيس ثمن هذه اللوحة على شكل أقساط لانه لم يكن يملك ثمنها لكنه بقي مهووساً بها طوال حياته وإعتبرها من أكمل اللوحات الفنية ونتج عن هذا الهوس سلسلة من أربع منحوتات إستغرق بإنجارها عشرين عاما والمعنونة ( الظهر)، في هذا المعرض وضعت لوحة سيزان الشهيرة مع منحوتة الظهر الثالثة والتي تجسد ظهر إمراة ذات شعر طويل وليس صعباً ان نلاحظ  تأثر ماتيس بلوحة سيزان.
تعرض لوحتان لبيكاسو من مقتنيات ماتيس، تصوران عشيقة بيكاسو (دورا مار) وهي شاردة الذهن تماما، يعود تاريخ اللوحتين الى بداية الأربعينيات، كان بيكاسو قد أهداهما الى مجايله ومنافسه هنري ماتيس، تكشف اللوحتان حجم التنافس بين ماتيس وبيكاسو وكيف كانا يتبادلان اللوحات عبر حياتهما ويشعران بالتهديد المتبادل الى درجة إن ماتيس يصرح "ليس من حق أحد أن ينتقدني فنيا عدا بيكاسو". 

مقتنيات إدغار ديغا الفنية 

في القاعتين التاليتين نتعرف على إديغار ديغا (1834/1917) ليس بوصفه فنانا وأحد مؤسسي المدرسة الانطباعية بل بوصفه جامعا للاعمال الفنية ومطاردا لها من مزاد لآخر فقد كان يردد "أشتريت لوحات فنية وغرقت بالدين حتى لم أعد قادراً على توفير قوتي اليومي" وهذا ما نتأكد منه عندما نشاهد لوحة (إعدام ماكسميليان ) لصديقه ومجايله ادوارد مانيه، رسم مانيه هذه اللوحة تخيلدا لذكرى إعدام إمبراطور المكسيك ماكسمليان. بعد وفاة مانيه قام ابنه بتقسيم اللوحة كبيرة الحجم الى أجزاء أربعة وبيع كل جزء منها على حدة،  حاول ديغا جمع أجزاء هذه اللوحة مطاردة أجزائها من مزاد لآخر، لكنه لم يفلح تماما فقد بقيت فراغات في حيز اللوحة الكبير.
إقتنى ديغا أيضاً، 22 لوحة للفنان الكلاسيكي الفرنسي جان أوغست إنغر و22 لوحة اخرى للرسام الفرنسي إيغوين ديلاكروا وتسع لوحات اخرى لمانيه، ولوحات لبيسارو وغوغان وروسو وسيزان وفان غوغ وحين مات إدغار ديغاكانت مقتنياته الفنية تقارب الالف. 
أفضل أنواع الثروة 

كتب الفنان الإنكليزي جوشوا رينولدز( 1723-1792) وهو أحد أبرز فناني القرن الثامن عشر ومؤسس وأول رئيس للأكاديمية الملكية للفن في لندن، في مذكراته "حيازة لوحات فنية لتيتيان وفاين دايك ورامبرانت هي أفضل ثراء".  اقتنى هذا الفنان لوحات للهولندي رامبرانت واخرى للرسام الانكليزي توماس غينزبره ولوحة لرسام عصر النهضة الايطالي جيوفاني بيليني(1430/1516) واخرى كان يعتقد حين إقتناها إنها لمايكل انجلو.
 القاعة الاخيرة خصصت للرسام البلجيكي الشهير فان دايك(1599/1641) والذي بعد ان حاز شهرة ونجاح في إيطاليا وبلجيكا، إنتقل الى إنكلترا وإشتهر بكونه رسام البلاط البريطاني ورسم لوحات للملك جارلس الأول وعائلته، والذي إستمر تأثيره على الفنانين الانكليز طوال 150 عاما، ورغم تنقله بين البلدان فقد إقتنى فان دايك لوحتين لرسام عصر النهضة الايطالي تيتيان، أحدهما معنونة ب( الرجل ذو الأكمام) والتي رسمها تيتيان حين كان بعمر العشرين وإبتكر فيها إسلوبا مدهشا ومغايرا عما كان سائدا في رسم البورتريت، فقد غيّر تيتيان من وضعية الجمود والمباشرة التي يتخذها الشخص المرسوم الى وضعية جانبية توحي بالحركة، وكذلك نظرة الشخص من مباشرة الى موحية، بل حتى غيّر في الإزار الذي يرتديه فقد جعله يغطي كتفا واحدا فقط فهو إما على وشك إرتدائه كاملا او خلعه، هذا الإسلوب أثر لاحقاً في بورتريهات رامبرانت الشخصية وكذلك في لوحة البورتريت الشخصي لفاين دايك التي علقت في الجدار المقابل من القاعة حيث يتخذ فاين دايك ذات الوضعية الديناميكية في جلسته ونظرته وثيابه ويزيد عليها بإنه يرفع يده ويمسك بها ردائه الذي على وشك السقوط.      
يقدم هذا المعرض المدهش لزواره علاوة على حسن التنظيم وترتيب اللوحات تبعاً لمقتنيها وفترتها الزمنية، وعلاوة على عرضه أعمالا إستثنائية لفنانين إستثنائيين، نظرة تاريخية متسلسة للإبداع الفني فنحن نرى تيتيان بعيني فان دايك ورامبرانت ورينولدرز ونرى سيزان بعيني فرويد وماتيس وديغا ونرى بيكاسو وديغا بعيني ماتيس ونرى مانيه وإنغلز وديلاكروا بعيني ديغا وهكذا هي السلسلة الفنية في الإعجاب والإقتناء والتأثر والإبداع . 

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية 
http://aawsat.com/home/article/737311/%D9%85%D9%84%D9%87%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%BA%D8%B7%D9%8A-5-%D9%82%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86

Monday, 1 August 2016

مختارات مترجمة للشاعرة السويدية كارين بويه

عيناها مصيرها 

شعر كارين بوي كما حياتها يُعنى بأسئلة بسيطة : كيف نعيش وكيف يجب أن يُعاش هذا المأزق المسمى"حياة"، شعرها عن ألم الشعور بالنقص عندما ننشد الكمال او التكامل مع الآخر سوءاً كان بشراً أم طبيعةً أم مقدساً

"بالطبع إنه مؤلم حين تنبثق البراعم.
وإلا لماذا يتعثر الربيع ؟
لماذا كلُّ رغباتنا المتوهجة
تقيّدٌ ذاتها بالعتمةِ الجليدية المُرّة ؟" 

هكذا تصرح في إحدى قصائدها الشهيرة "بالطبع انه مؤلم" من مجموعتها الشعرية الرابعة (من أجل شجرة/1935 ). لكن ألم الشعور بالنقص هو ما جعل قصائدها طازجة ومليئة بالحياة رغم مرور عقود على أنتحارها 1941 بعد ان خرجت من بيتها في مدينة ألنغسايس الى الحقول المجاورة تحمل معها علبة للحبوب المنومة ، اختارت الموت بين الطبيعة التي أحبت، بعد خمسة أيامٍ على موتها أكتشفها فلاحٌ عابرٌ نائمة بين التلال في 23 من أبريل.


أيها الموت العزيز , ثمة شيء في كينونتك
يواسي المكافحين :
ما همك أنت إذا صار المرء عظيما
أو ضيّع حياته هباء !
أيها الموت العزيز ثمة شيء في كيونتك
ينقي الأجواء 
أنت كما أنت 
مع الصالح والطالح
مشرّعا تتمدد عارياً وأعزل

"من قصيدة خطوات هادئة خلفي

بعد شهر من ذلك التاريخ إنتحرت عشيقتها الالمانية (ماركوت هانل) بالغاز في شقتهما المشتركة في ستوكهولم وفي شهر آب من ذات السنة توفيت صديقتها وحبها الأول (أنيتا ناثورست) بسرطان الجلد.  
الكثير من قصائد كارين بوي تتناول موضوع الحب والتوق للآخر بل في بعض الاحيان الذوبان به ، أليس هي من كتبت الى (ماركوت):

 أنت يأسي وقوتي
أخذتِ كل ما ملكتُ في حياتي
ولأنك طالبتِ بكل شئ
قدمتِ ما هو أعظم ألف مرة
قصيدة "لك انت" من مجموعتها الاخيرة (الذنوب السبعة المميتة 1941 ) 

شعرها عن الحرية والإنفتاح والعدالة والوضوح مع النفس والمجتمع ، معذبةً بنقائها عاشت عمرها القصير في بحث ومثابرة لا تكلّ لفهم لغز التناقض والازوداجية التي مُنيت بها في روحها ومشاعرها، هذا البحث الذي قادها من البوذية ومحاولة تعلم السنسكريتية وهي طالبة في المرحلة الاعدادية ثم المسيحية والمثالية ثم اليسار أثناء وبعد دراستها في جامعة أبسالا وزواجها القصير من الشاعر السويدي الماركسي(ليف بيورك) ، ثم الى التجريد وتبني نظرية التحليل النفسي وأخيراً الإنتصار للإنسان المخذول بيأسه في إنتحارها.
 لأنها يأست من نقاء الحياة حاولت البحث عنه في الفن والشعر والرواية، أصدرت خمسة مجاميع شعرية هي على التوالي: (غيوم 1922/ الاراضي المخبوءة1924 / المداخن 1927/ من اجل شجرة 1932 / الذنوب السبعة المميتة 1941) كما نشرت أربع روايات ، إثنتان منهما حازت على شهرة كبيرة ورواج وهما (الأزمة 1933 / المصل 1940 ). كما رسمت معاناتها في عدد من اللوحات المائية أثناء مراهقتها . 

نعم، هناك معنىً وهدف لحياتنا
لكن الدرب هو ما يستحق عنائنا.
"من قصيدة الخطوة من مجموعة المداخن" 

 حينما نقرأ نصوص كارين بوي للمرة الاولى نلمس الازدواجية بين الحلم والواقع ، كلماتها بسيطة ومعبرة جدا ونصوصها صدى لموسيقى أعماقها وقلقلها الروحي ونزعاتها الجسدية المنقسمة والمزدوجة.
 حياتها المليئة بالاحباطات والإنتكاسات النفسية إنحدرت نحو مسارات منخفضة بعيداً عن آمالها العالية التي تماثل (الغيوم/ مجموعتها الشعرية البكر). هذا التناقض الداخلي في قصائدها هو الذي منح نبرتها الشعرية بعدا يتعدى زمانها ومكانها. شعرها كثيف وشفاف بلا غموض يبلغ الأعماق النائية ويلامس إحباطنا وآلامنا جميعاً، كانها تمد يداً دافئة ًغير مرئية وتطبطب على أكتافنا المثقلة تيهاً وحيرة، عبر إلتياعها وعذابها الداخلي وشجاعتها في البوح.
ولدت كارين بوي في تشرين الأول عام 1900وعاشت الاحداث القاسية والرهيبة بين الحربين العالمتين، أحبت الرجال والنساء لكنها مالت الى النساء أكثر، وإشتاقت العودة الى ينبوع الموت كي تُغمر الى الابد، إنتحرت في أبريل 1941 لكن كل اطفال السويد الان يحفظون لها قصيدة او أكثر عن ظهر قلب. 


أمنية

 أريدُ أن أحيا بطريقةٍ صحيحة
وأموت بطريقة صحيحة أيضا.
دعوني أمسكُ الجوهر
في الأسى كما في الفرح
وأتمن أن أبقى ممسكة به
وسأبجلُ كل ما موجود هنا
 لأجل إنه إنوجد
ولا شئ أكثر.

لأفترض أن كل مابقي من حياتي
يوم واحد فقط
حينئذ أريد أجمل شئ تحتويه هذه الارض
أجمل شئ على الارض
وهو بكل بساطة، الصدق
لأجل الصدق وحده أستدعي الحياة للحياة
وأستدعي الحياة لواقعها.

العالم برمته
هو كأس زهرة الكاميلا،
قطرة ماء تهطل صافية
تستريح في أخضرها.
تلك القطرة ما زالت تهطل
وهي تفاحة عين الحياة
آه إجعلني قادرة على رؤيتها،
آه نقن !
"من مجموعة الأراضي المخبوءة"
______________________________

كيف يمكنني البوح

 كيف يمكنني البوح أن صوتك حلوٌ.
جلّ ما أعرفه انه يخترقني عميقاً،
ويجعلني أهتز مثل ورقة نبات
 ويمزقني إرباً ويفجرني.

وماذا أعرف أنا عن بشرتك وأطرافك
التفكير فيها يجعلني أنتفض لمجرد انها لك
ولهذا فلا نوم لي ولا راحة
الى أن تصير كلها لي.  
"من مجموعة الذنوب السبعة المميتة"

_____________________________________
عيوننا هي مصائرنا


عيوننا هي مصائرنا.
وحيدة تكبرين بمفردك أيتها العيون البائسة
بين النجوم التي لا ترأف
 بنا على طريقتنا الأرضية.
رأيتُ القليل .
ربما كانت أفكاري قد تغيرتْ،
منبوذة  تنمو ومهجورة
وغير آبهة.

 مقدسةٌ ، مقدسةٌ ، مقدسة
هي الحقيقة، الحقيقة المفزعة
أعرفها ، أنحنِ لها ،
لها كل الحق في الحفاظ على كليّتها.
لكن الجسد والدم يختلجان
الأحياء يلتمسون الحياة
الرفقة الإنسانية دافئة
 والفتور مزدرى .

 متضرعةٌ أهيمُ
عبر السنوات الثلجية المضيئة،
 أبحث عن من يُعينني
كي أقف في ضريحي
أستدعي بوجدان متوهج
عيوناً من زمن سحيق
تلك التي تاهتْ
في أمواج عزلتها.

ولهذا، أعجزُ عن النواح  
ولهذا، أمنحُ عرفاني.
للذين شاركتهم
بكل ما أعرفُ، بكل ما أتذكر.
وعبر العتمة أتلمس
البيت والرفقة.
أيتها العيون الحبيبة يا أختي!
عشتِ. وستبقين حية.

"من مجموعة لأجل شجرة"
__________________________________
 

نحن الذين لا نجرؤ على رؤية أنفسنا

القلة التي تجرأت  أن تحيا
"مباركون هم"
قد شُوهوا وذُبحوا مرةً إثر إخرى
من قِبلنا، نحن الذين لا نجرؤ على الرؤية.

إيقونات مظلمة
متناظرة، لها الحجم ذاته
صورٌ معلقة للأحياء المكتوين
بالتوتر بين الأغلبية القليلة.  
القرون صقلتْ عميقاً
ملامحهم الغريبة.
مثلما نطحن نحن توقنا
يوماً بعد آخر.
كما نلمع ونزخرف
كلّ ما في وسعنا
الى الحد الذي لا نميز فيه الروح عن التهذيب.

للبحث يذهب اليافعون،
عن النار التي تحرق
سيذهبون بعيون فارغة
تلك التي لن تجد شيئا
وسيتعذبون من جديد.
يال عذابهم! المساكين ،
لقد بددنا ثمرة ذواتنا المقدسة-
تلك التي لا تجرؤ على الرؤية

"من مجموعة الذنوب السبعة المميتة"
_______________________________

المصادر:

* "Karin Boye: Complete Poems"
 by David McDuff
Bloodaxe Books1994
*Karin Boye Society
 نشرت المختارات في مجلة نزوى العمانية  

Sunday, 29 May 2016

مدينة الموصل في رواية إماراتية

مدينة الموصل في رواية إماراتية: في معرض لندن للكتاب، وفي جناح مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، عرضت دار نشر قنديل آخر الإصدارات الروائية في منطقة الخليج، ومنها رواية «حارس الشمس» للكاتبة والمهندسة الإماراتية إيمان اليوسف التي فازت بالجائزة الأولى لمسابقة «جائزة الإمارات للرواية» مناصفة

Saturday, 30 April 2016

الحدائق في الفن الحديث

من مونيه الى فان كوغ 

ما الذي يجمع مدارس الفن الحديث بالحدائق ؟ الحداثة جامحة ، خطرة ومستفزة، بينما الحداثق هادئة وحميمية وتحتل غالبا هامش حياتنا وليس جوهرها وهي ترمز الى الحكمة والسلام والسكون. لكن هدف المعرض الضخم الذي تنظمه الأكاديمية الملكية للفن في لندن، إستعادة فن رسم الحدائق وفناني الحداثة الطليعين في التاريخ الاوربي من 1860 الى 1920الذين رسموا الحدائق، رسالة هذا المعرض تتوخى الوصول لمدمني الحداثة بكل ما تعنيه من وسائل مدنية سريعة ومتغيرة على الدوام في عصر الآلات، وفحوى الرسالة، إن ثمة فنانين هجروا المدن بكل صخبها وفضلوا العيش في هدوء بين مشاتل الزهور، والطرق الحجرية التي تخترق الحدائق والحقول وزخرفة النباتات المتسلقة على الجدران والسقوف.  
إستدار بعض هؤلاء الفنانين نحو الحدائق كي ينعموا بالسلام والسكون ولغرض إستكشاف المزيد من تقلبات الضوء واللون في الطبيعة، بعضهم كان مهووس وخبير بالحدائق وتنظيمها وزراعة الزهور والنباتات خلال حقبة نهاية القرن التاسع عشر، عندما غدت مهنة البستنة مربحة وتدر بعض المال لإعالة عائلة. في حين أصبحت للطبقة المتوسطة في المجتمع في أوربا نهاية القرن التاسع عشر، القدرة على إنشاء حدائق للترفيه أكثر منها حقول لزراعة المواد الغذائية. 
الإنطباعي الكبير كلود مونيه هو بلا شك سنام رسامي الحدائق، مونيه وحديقته الرائعة في قرية جفرني في النورماندي شمال فرنسا حيث قضى الاربعين سنة الاخيرة من حياته وحيث رسم لوحاته الاخيرة في هذه المنطقة، له الحصة الأكبر من لوحات المعرض، ويصل هذا العرض ذروته في قاعته الأخيرة التي تعرض أربع لوحات من زنابقه الكبيرة المسماة بركة الزنابق وهي من أعماله الاخيرة. كان كلود مونيه مهووسا بالحدائق منذ إنتقاله من باريس الى قرية أرغنتويل عام 1873وهي الان إحدى ضواحي باريس الشمالية وقد رسم مونيه حديقة أرغنتويل في تلك السنة واللوحة معروضة في القاعة الاولى، وتلك الحديقة لها ألفة وحيوية لا تقاوم، واجهة اللوحة مزدحمة بغابة من زهور الداليا في أوج تفتحها وفي خلفية اللوحة هناك رجل وإمراة على وشك العناق، هذه اللوحة كانت جذرية بحداثتها في زمانها لتركيزها على حديقة منزلية متواضعة في حين ظل الوجود البشري ثانويا.
رُتب المعرض بقاعات، كل قاعة تخصصت بعرض عدة فنانين وحسب تطور إسلوب الإنطباعيين وتلامذتهم في أرجاء اوربا. في إسبانيا وألمانيا واسكندنافيا كما في أمريكا التي تغذت من التفسيرات المختلفة لرواد الحداثة الفنية في بداية القرن العشرين، لكن كلود مونيه ظل حاضراً في كل قاعة مع تطور إسلوبه كفنان وكحدائقي. 

(أنا مدين للأزهار بكوني  رساماً) 
إحدى قاعات العرض خُصصتْ لرسائل مونيه التي كتبها عن الحدائق وتبادلها مع اصدقائه مثل رينوار، وبعضها مرسوم الحواش بطريقة جميلة بما يعبر عن محتوى الرسالة أو موسمها، هذه الرسائل مرتبة بين مزهريات زجاجية شفافة لحفظ بذور الزهور كأن العرض يدخل الزائر الى جو البيوت الزجاجية للنباتات والإحساس الطبيعي برطبوبتها ورائحة التربة، ويؤكد إن المعرض يستهدف محبي الحدائق والزهور والمهتمين بالفن على حد سواء. 
وعلى خطى مونيه سار الكثير من فناني القرن التاسع عشر وغادروا المدن حالما إغتنوا وبدأو بانشاء منازل وحدائق لهم خارج المدن حيث يقضون البقية من حياتهم في الرسم والعزلة ويولون إهتمامهم البصري الى الضوء الطبيعي ومساقطه على الطبيعة والاشجار والزهور خلال تعاقب ساعات النهار والليل وتعاقب الفصول.
 لوحة الفنان الفرنسي الإنطباعي غوستاف كايبوت 1848/1894 (زهور الداليا في حديقة جنيفير) تجعل المشاهد يشعر كأنه يمشي في ممر حجري ضيق وأمامه بيت له نوافذ ضيقة وسقف قرميدي يسبح في ضوء الشمس والظل وفي واجهة اللوحة زهور قرمزية كبيرة تلمع في الظلال المتموجة. لكن لوحة غوستاف كايبوت (جدار في حديقة خضروات /1877) هي لوحة عادية سواءً لمحبي الفن او حتى لهواة الحدائق وهي فعلا تصف جدار في حديقة ولا شيء أكثر. 

 في أرجاء العالم وعلى مدى التاريخ، دائما يذهب الفنانون الى الطبيعة والحدائق. الفنان الإنطباعي الأمريكي الذي عاش في لندن (جون سنغر سارجنت 1856/1925) حيث يصور الحدائق الإنكليزية بظلالها المعتمة، أو الفنان الاسباني (جواكيم سورويا 1863/1923) الذي يصور الحدائق الأندلسية كحدائق قصر الحمراء وحدائق قصر المحد في اشبيلية، لكن يبدو إن هذين الفنانان بقيا على هامش جماعة الإنطباعيين الرواد مثل مونيه ورينوار وبيسارو.
 هذا المعرض شاهداً على التاريخ الاجتماعي لصرعة إنشاء الحدائق والإهتمام بها لدى الفنانين، أكثر من كونه معرضاً يجمع لوحات لا مثيل لها في عالم الفن لإدهاش الزائر. الفنان  الأمريكي الانطباعي المغمور الذي عرفني عليه هذا المعرض (دينيس ميلر بونكر 1861/1890 ) يجعل عين المشاهد تتبع نهر من الزهور المختلفة الالوان، وهذا النهر الزهري يجري عبر ممر يخترق حديقة، لوحة بونكر هذه مشرقة ومبهجة أكثر من لوحة مونيه المعلقة الى جانبها والتي يرسم بها ذات الممر والحديقة. 

الكثير من فناني القرن التاسع عشر والقرن العشرين الرواد، إستداروا بنظرهم نحو الحدائق  كمكان لإستكشاف تغيرات وتقلبات اللون والضوء وكمكان للإلهام الذاتي أو موضوع لمواجهة خيالهم وخوفهم في ذات الوقت. لوحة فان كوغ علىى سبيل المثال الموجعة والتي رغم ألوانها المبهجة، فانها تشعرك أن الكرب يسيل منها مثل الاصفر الذي يطغى على تفاصيلها، هذه الوحة رسمها فان غوغ لحديقة المصح النفسي في سانت ريمي، لا أدري لماذا لم تاخذ هذه اللوحة شهرة كما غيرها من لوحات فان غوغ ، فعلا إنها واحدة من اقوى إبداعاته وأكثرها حميمية وإلتباس، بينما حول ماتيس حدائق المغرب التي زارها عام 1912 الى حقول مشبعة باللون معبداً الطريق الى أكثر الصرعات الفنية الحداثوية مثل السوريالية والتجريدية، إدارة المعرض لم تركز على لوحة فان غوغ أو ماتيس في المطبوع التعريفي مما يترك الزائر في حيرة من أمره.

المعرض يكافأ زوراره ويدهشهم بعرض لوحة الفنان الروسي وسيلي كاندنسكي (حديقة مورنو 1910 )التي رسمها في قرية بفارية عندما كان على عتبة الدخول في التجريد، اللوحة بتفاصيل وألوان مذهلة، تشيع إحساس لدى المتفرج ان ثمة حديقة ملونة بشمس جبال الالب تميل نحوه. لوحتان صغيرتان للفنان التعبيري السويسري (بول كلي 1879/1940) حول فيهما الحديقة الى مكان للأحلام المزعجة والالوان النافرة مع أشكال دائرية كأنها عين مسهدة، بينما لوحة الفنان النرويجي إداورد مونخ والفنان النمساوي غوستاف كليمنت أخذتا منحنى بعيد جدا عن البهجة في تجريب ثيمة الحديقة وألوانها.  
وفي قاعة عرض للفنان الفرنسي ما بعد الانطباعي بيير بونارد والفنان إدوارد فويلارد يشعر الزائر كأنه يدخل الى حديقة حقيقية ويشارك الأشخاص المرسمومين داخل اللوحات الشعور بالمرح، مثلأ في لوحة بونارد الباهتة الالوان (صيف في النورماندي) هناك امرأتان تضطجعان في واجهة اللوحة كأنما يشعر الزائر إن بإمكانه مد يده الى هذا المشهد  المنقوع بشمش قائضة.  

لكن يبدو إن إدوارد مونيه هو بطل هذا المعرض، بدأنا به وإنتهينا به، قبل الدخول الى القاعة الأخيرة هناك مقولة له : " أذا جاء هؤلاء البرابرة كي يقتلوني، سيقتلوني وانا أمام لوحاتي، وأنا أرسم" كتبها أثناء الحرب الأولى حيث رفض مغادرة منزله وحديقته في جفرني رغم إنه كان يسمع أصوات القذائف والمدافع في المعارك الدائرة على مقربة من بيته، وببطء تحولت نظرته الفنية وإستكشافه لحديقته ونباتاتها وألوانها اللامنتهي الى نظرة تجريدية خالصة، هناك تناقض جلّي بين لوحاته وهو يرسم الجسر الياباني في إولى قاعات العرض وبين القاعة الاخيرة حيث جدارياته الضخمة (زنابق البركة) تبدو هذه الجداريات تراكيب لونية من هياج غاضب مع دوامات من التكتلات البراقة بالاحمر والاخضر، أربع جداريات ضخمة من ( زنابق البركة) حيث الأرض المحيطة بالبركة  تتلاشى نوعا ما ويذوب الوقت والفضاء في ضوء وألوان متلألئة ، ثلاث من هذه الجداريات يحمل ذات العنوان وهي تعرض للمرة الاولى في المملكة المتحدة حيث مقرها الدائم في متحف الاورنجري في باريس وهي أجمل ابداعات مونيه بلا شك. 





 ان العلاقة بين رسم الحدائق تاريخياً وتكنولوجيا ليس فقط لنقل متعة مشاهدة الحديقة الى المتلقي بل هي لذة الأندماج والموائمة بين الحسية والبدنية، هوتحويل الضوء والطقس المحلي الى شي عالمي يجعل الصورة تفرض حضورها على المتلقي اينما كان وفي أي وقت كان.
اللوحات المعروضة تمنحك الشعور انك تدخل حديقتك الخاصة وتعطيك دفقة مركزة من السكون والتيه في نظرة ملونة مختلفة لهذا العالم.