كامبردج وجسورها العريقة على نهر كَيم
جسرا الرياضيات والعبرات
حينما وقفتُ على جسر (فن كوزوي/ Fen Causeway) كي ألتقط صوراً تذكارية لجسر
الرياضيات الخشبي الذي يربط شطري كلية
الملكات (
Queens’ College)
أخبرتني عجوز إنكليزية إن هذا الجسر صممه وبناه إسحق نيوتن بدون إستخدام المسامير
اللولبية في شد أجزائه، لكن(وليام أثيريج/William
Etheridge) هو من صمم جسر الرياضيات
وبناه عام 1747 وأُعيدَ بناء الجسر مرتين بعد ذلك لكنه إحتفظ بتصميمه الأصلي، ورغم
إنه يبدو كقوس خشبي لكنه يتكون بمجمله من أضلاع خشبية مستقيمة رُبطت بطريقة هندسية
محكمة الزوايا والقياسات ومن هنا جاءت تسميته بجسر الرياضيات. أخبرنا بذلك فيما
بعد قائد قارب البنط (Punt)
الذي ساقني وسواح آخرين في جولة نهرية في نهر كيم الذي يخترق مدينة
كامبردج من جنوبها
الغربي متجهاً الى شمالها ماراً بكلياتها التاريخية
ومعالمها الشهيرة.
الكلية التي خرجت الفائز بجائزة نوبل مرتين
(كلية
الملك/ King's College) التي بدأ الملك هنري السادس بناؤها عام 1441
وانتهى بناؤها عام 1544 في عهد الملك الشهير هنري الثامن وتعتبر من اهم معالم
العمارة القوطية في بريطانيا ويحتوي سقفها على أكبر مروحة هوائية في العالم، خرجت
هذه الكلية العديد من الأسماء المشهورة منها (روبرت ويلبول/Robert
Walpole) أول رئيس وزراء بريطاني
منتخب، الشاعر (روبرت بروك/Rupert Brooke )، الروائي سلمان رشدي، فريدرك سانجر
الحائز على جائزة نوبل مرتين في الكيمياء.
الشاعر الصيني (تشو زيمو/ Xu Zhimo)
المجدد الكبير في الأدب الصيني الحديث والمتوفي في حادث طائرة عام 1931 عن عمر
لايتجاوز الخامسة والثلاثين، كرمته الكلية بنقش إسمه وأبيات من شعره على شاهدة مرمرية
بيضاء قريبة من ممشى نهر كَيم، يقول في مطلع قصيدته (وداعاً كامبردج مرة
أخرى) :
بمنتهى الهدوء
أبدأُ عطلتي
بمثل الهدوء
الذي جئتُ به
بهدوءٍ ألوحُ
وداعاً
للغيوم الوردية
في سماء الغرب.
لكلية الملك أيضا جسرها المسمى على إسمها والذي
شُيّد في القرن الخامس عشر وأُعيد بناؤه عدة مرات ونسخته الحالية تعود الى عام
1819 يربط شطريها المتقابلين على نهر كيم.
أما أقدم الجسور في كامبردج والذي لم يُجدد
بناؤه فهو جسر كلية كلير( Clare
College نسبة الى الليدي كلير
حفيدة الملك ادوارد الاول) الذي يربط شطري الكلية التي هي ثاني اقدم كلية في
كامبرج تأسست عام 1326. شيد الجسر توماس كرامبولد(Thomas
Grumbold ) عام 1639، هذا
الجسر مزدان بكرات حجرية على سياجه لكن هناك كرة واحدة مفقود ربعها في جزئه
الجنوبي ويقال السبب في ذلك ان ضرائباً عالية
كانت تُفرض على الجسور المكتملة
البناء في ذلك الوقت لذلك بقي الجسر غير مكتمل.
مخطوطات شكسبير وعصا إسحق نيوتن
(مكتبة رين/Wren Library)
ستكون في مرمى البصر ايضا أثناء الجولة النهرية التي تستغرق
45 دقيقة، الدخول مجانا
للسياح وتحتفظ هذه المكتبة بعصا المشي التي كان يستخدمها إسحق نيوتن وخصلة من شعره
والنسخة الاولى من كتابه الشهير(الفلسفة الطبيعية). وكذلك بعض مخطوطات شكسبير
الأصلية وبعض الرسوم النادرة من القرن السادس عشر للسلاطين العثمانين. مكتبة رين
هي جزء من كلية ترنتي(Trinity College) التي درس وتخرج منها بعض أفراد العائلة المالكة
مثل الأمير تشارلس وملكة الدنمارك ماركريت الثانية وكذلك تخرج منها
إسحق نيوتن والفيلسوف الانكليزي فرنسيس بيكون واللورد بايرون والشاعر الباكستاني
محمد اقبال والكثير من حملة جائزة نوبل وفي كافة الاختصاصات.
جسر العبرات أجمل جسور مدينة كامبردج وأشهر
معالمها على الاطلاق وهو يماثل معماريا جسر العبرات في مدينة البندقية، هذا الجسر المسقف
والمزدان بنوافذ كبيرة تطل على النهر بناه المعماري هنري هاتشينسون(Henry Hutchinson) عام 1831وهو يربط فناء كلية سانتجونز
الثالث بفناء الكلية الجديد وقد إستمدَ الجسر إسمه من عبرات الطلاب وتنهداتهم
المتواصلة على الجسر الذي عليهم أن يعبروه
للحصول على نتائجهم في الجهة المقابلة حيث مكتب عميد الكلية.
يلى جسر العبرات جسر رين(Wren Bridge) الذي يعود ايضا لكلية سانتجونز الشهيرة التي أسستها مارغريت بوفور والدة هنري السابع ملك إنجلترا عام 1511 . تعد الكلية ثاني أهم كليات جامعة
كامبريدج وكان طلابها في القرن التاسع عشر ناشطين
ضد تجارة العبيد في بريطانيا وتوج نضالهم بقانون منع التجارة بالرق عام 1807.
أشباح أكاديمية
ووفقا لسائق قارب البنط. فان كلية سانتجونز مسكونة بالاشباح ومن
أشهرها قصة شبح الطالب الفقير (جيمس وود) الذي لم يكن بإستطاعته شراء زيت لإنارة غرفته
ومراجعة دروسه مما إضطره الى الجلوس ساعات طويلة في السلم المضاء جيدا لإداء
واجباته ويبدو إن شبحه لايزال يسكن السلم ذاته والفناء الجامعي الذي يليه.
جائزة الملعقة الخشبية
جزء من تقاليد كلية سانت جونس العريقة هو
منحها جائزة عبارة عن ملعقة خشبية ضخمة يتجاوز طولها المتر للطالب الذي يأتي ترتيبه الأخير في مادة الرياضيات
الصرفة ولاتزال آخر ثلاث ملاعق خشبية معلقة خارج غرفة اتحاد الطلاب. إنتهى هذا التقليد منذ عام 1909 بعد أن إتبعت الكلية إسلوب الترتيب الأبجدي
في إعلان النتائج.
نزهة نهرية في قارب
قارب البنط التقليدي ((Punt الذي تشتهر به مدينة
كامبردج يقوده احد طلاب المدينة غالبا وهو يمتلك خزين من المعلومات عن المدينة
وأبنيتها الأثرية، الجولة النهرية تمكن السائح من مشاهدة حدائق وخلفيات سبع من
كليات الجامعة التي تعد ثالث اقدم جامعة في العالم وتضم إحدى وثلاثون كلية، أقدم
كلياتها هي بيتر هاوس تأسست عام 1209. مدينة كامبردج تبعد حوالي ثمانين كليومتراً شمال لندن حيث
يسير قطار سريع من محطة كنكز كروس كل ثلاثين
دقيقة برحلة لا تتعدى الخمسون دقيقة.
في كامبردج العديد من المطاعم
والحانات المشهورة ومطعم النسر ((The Eagle
من أشهرها على الاطلاق وبمقدور رواد هذا المطعم قراءة أسماء طياري الحلفاء الذين
قتلوا في الحرب العالمية الثانية منقوشة على جدران وسقف المطعم حيث دونها تخليدا
لذكراهم نظراؤهم في القوة الجوية البريطانية الذين إرتادوا المطعم اثناء الحرب.
مدينة كامبردج واحة آمنة لمستخدمي الدراجات
الهوائية بتشجيع من بلدية المدينة للحفاظ على الابنية التاريخية من خطر التلوث
والتقادم وتأجير دراجة هوائية هو افضل طريقة لأستكشاف هذه المدينة ومعالمها.
ذكرى عمرها أربعة قرون
اثناء تجوالي في شوارع المدينة إكتشفتُ هذه
العلامة التذكارية (1661 EW )
التي
تعود الى القرن السابع عشر محفورة في احد الجدران الخارجية لكلية الملك، لاتزال
محتفظة برونقها كأن عاشقين قد حفرا حرفين من إسميهما قبل ساعة. وكثيرا ما تشهد
حدائق وقاعات كليات الجامعة الأثرية حفلات الزواج لطلابها او للمتخرجين منها او
لعامة الناس ممن يرغب أن يكون حفل زواجه في مكان مميز وقد شهدتُ بنفسي إحدى حفلات
الزواج في حدائق وقاعة في كلية الملكة.
No comments:
Post a Comment