Tuesday, 21 April 2020

رسومات هتلر بتوقيع الثنائي الأخوين جابمان

نزعة تشويه الأعمال الفنية 

قد تكون الضربة القاضية للفن الذي نعرفه، فهذا المعرض يمثل المؤشر الأكيد لنهاية الفن التقليدي سواءً كان رسماً او نحتا. تماما مثلما نظّر له المستقبليون حينما نادوا بشطب تاريخ الفن وبتقويض وتهديم المتاحف في مسلخ ومذبحة عبثية ومقبرة لفراغ التجديد كما جاء في تصريحهم لعام 1909 .
جاك و دينيس جابمان فنانان بريطانيان تخرجا من الأكاديمية الملكية للفنون ، يموناننا بغرائبٍ إباحية متنافرة في معرضهما المشترك في كاليري المكعب الأبيض وسط لندن. العرض الذي احتوى على ثلاثة اجزاء متساوية في أهميتها وغرائبيتها. ويبدو ان الأخوين جابمان يرفضان النفيس والجميل لكل عمل أُنتجَ قبلهما لكي يمهدا عبر هذا الرفض طريقهما الفني الخاص والصادم ورؤيتهما المتفردة للإبداع.

الجزء الرئيسي من المعرض عبارة عن هلوسات متخيلة لجحيم الحروب  وخصوصا الحرب العالمية الثانية وجاء بعنوان ‘Fucking Hell’تجسدت هذه الهلوسات في تسعة أقفاص زجاجية متساوية الحجم مرتبة على شكل صليب معقوف . كل منها تمثل رؤية للهلاك والدمار والقنوط  يحملها الجنود النازيون ممثلين بمجسمات بلاستيكية مصغرة في مشاهد بائسة وتعيسة للغاية. هذه المشاهد تعيد تذكيرنا بفلم أعداء على الأبواب (enemy on the gates) الذي يصور معركة إحتلال مدينة ستالينغراد أثناء الحرب العالمية الثانية وخسارة أربعة ملايين إنسان في هذه المعركة . إنه سِفر لجرائم النازية والديكتاتوريات العالمية التي إشتركت في سعار منظم للعنف دمر وآباد كل شئ حتى المؤن . 

 الإلتباس في هذه المشاهد كونها مذهلة في قنوطها ويأسها، نسخ تفصيلية مسهبة للجحيم. ورغم إن الفنانين لم يشهدا الحروب والديكتاتوريات فأن تصويرهما لهذه المآسي البشرية هو قمة في الواقعية المفرطة الى درجة جعلتني أستحضر كل هذه الكوراث من جديد.

آلآلاف الأجساد الممزقة أوالمتفسخة تحتويها هذه الأقفاص التسعة، يتشارك الأحياء منهم والهياكل العظمية في حمل تعاسة ومهزلة الحروب البشرية. لكن روح الدعابة ليست غائبة عن جحيم هذه الاقفاص، هناك مثلا لحظة تعميد هتلر الطفل في كنيسة محترقة او هتلر البالغ وهو يستريح بجانب قبر عملاق. ان الدعابة والرعب يمنحان التأثير الرمادي المميت لهذه الأقفاص الزجاجية الرهيبة.هناك مثلا مجسما لطفل ذي ثلاثة رؤوس يلعب الكرة على  ضفة ساحل بحيرة من دماء حمراء او جندي يمصّ الحليب من أثداء خنزيرة في مصفحة عسكرية. ولوكان المستقبليون صادقين بإدعاءاتهم ان الفن هو العنف والقسوة واللاعدالة فان الأخوين جابمان أظهرا قدوة وقدرة مذهلة ومدهشة لهذا الإدعاء.



الجزء الثالث من المعرض هو عبارة عن رسوم هتلر المائية التي رسمها خلال اقامته في مدينة فيينا بين الأعوام (1908-1913) والتي اشتراها الفنانان بمبلغ 115,000 باون استرليني رغم كل الانتقادات التي وُجِهتْ إليهما حول القيمة المعنوية لدفع مبلغ كبير لأعمال فنية بريشة أقسى دكتاتور في العالم. عرض جاك ودينس ثلاثة عشر عملا من هذه الرسوم المائية الهتلرية لكن بعد ان أضافا بصمتهما الشخصية لهذه الأعمال. أقواس قزح غافية ، نجوم براقة ،وجوه ضاحكة وفيضان منثال من القلوب أُضيفتْ الى خلفيات أعمال هتلر وعُرِضَت مجدداً في سوق الفن بمبلغ 685,000 باون إسترليني. 
الاخوان جابمان نفيا أن تكون هذه الرسوم والتي عرضت للبيع كقطع منفردة، هدفها إستعادة هتلر، وقد سبق لهما ان وصفا لوحات هتلر ب(العمياء) وناقصة للإبداع. ان فكرة إستعادة هتلر او أفكاره العنصرية هي سيئة جداً لكن فكرة إستعادة أعمال هتلر الفنية هي فكرة عبقرية (يقول جاك). ويصف هذه اللوحات :"انها لاتمت بأدنى صلة لهتلر الان بل هي نتاج أفكارنا، إن التهشيم والإفساد من الممكن أن يكون فعلا إبداعيا ايضا."
دينيس جابمان قال ان هذا العرض والمعنون (لو كان هتلر هيبي كم كنا سنكون سعداء),هو في الحقيقة إجترار لسؤال ماذا كان سيحدث لو لم ترفض أكايمية فيينا للفن هتلر الفنان الشاب. ويضيف لقد أظهروا عدم اكتراث لأعماله  مما جعله ممتلئا بالمرارة والإحباط والكره.
حاول هتلر دراسة الفن في هذه الأكاديمية وعرض لوحاته على لجنة القبول مرتين  بين عامي 1907 و1908 ورُفض قبوله كطالب فن بالمرتين. لكن هذه الرسومات كانت عادية تماما ولا تشي بأن الذي رسمها سوف يصبح  دكتاتورا ومرتكبا للجرائم بحق البشرية .

هذه اللوحات تمثل قشرة الرجل فقط وهي تشبه آلاف الاعمال الرخيصة التي تمتلئ بها الاسواق. 
وكل الذي يمكنننا قوله انها أعمال فنية فظة وفظيعة وتفتقر إلى أدنى مراتب الابداع.
 عنوان المعرضif Hitler had been a Hippy how happy would we be! )) لايحمل علامة استفهام ، لكنه يُسقط الأسئلة المنغصة في رؤوسنا.
-هل الروح البشرية تواقة الى الهلع؟
-هل من الممكن ان نتأمل العالم بدون الخوف؟
-وحتى لو تلاشى الخوف، هل من الممكن كما يقول الاخوان جابمان أن نعيد تخيله فنياً؟؟
هذه ليست المرة الاولى التي يشوه الاخوان جابمان الأعمال الفنية فقد سبق لهما أن اضافا لمساتهما الخاصة من وجوه مضحكة ورؤوس مهرجين لتخطيطات الفنان الاسباني فرانشيسكو غويا المعنونة (كوراث الحروب)مما أثار النقاد الاسبان ضدهما.
وعندما يحين الوقت الذي سيعصف بكل المتاحف ويُمحى تاريخ الفن للتجديد في الفراغ ، فان جاك ودينس جابمان سيكونان في اول الطابور بلا شك . 





No comments:

Post a Comment