رامبو وفرلين في( بيت السكاكين) من جديد
عام 1872 قدم شاعران فرنسيان الى
لندن، الأول في السابعة عشر من عمره والثاني في الثامنة والعشرين، عاشا معا واحدة
من أشهر قصص الحب في تاريخ الأدب الحديث،
سكنا منزل رقم 8 في (رويال كولج ستريت/Royal
College Street) في ضاحية كامدن. ينزفان الشعر ويدمنان الابسنث (نوع من الكحول)
يتحابان ويتشاجران بشكلٍ إنفجاري ومستمرٍ في مشروع ثنائي لتجاوز أزمة الوجود
بالشعر والصداقة، وربما كتبا في هذه الفترة بعضاً من أهم القصائد في الشعر الفرنسي
الحديث .
آرتور رامبو ربما كتب في لندن
"إشراقاته" و"فصل في الجحيم" قبل أن يهجر الشعر مختارًا ويقضي
بقية حياته مستكشفاً في اليمن أفريقيا وتاجراً للقطن والأسلحة والعبيد، بينما كتب
بول فيرلين قصيدته "شوارع" عن شارع بادنكتون في لندن وأعيد الأعتبار له
بعد فترات الادمان والسجن وأُنتخبَ أميراً لشعراء فرنسا عام 1894 وقضى ما تبقي من
حياته في باريس.
أقامت مؤسسة (شاعر في المدينة/ Poet in the City) أُمسية إستذكارية لرامبو وفرلين في(King’s
Place) ، عُرض في الأمسية فلم
(بيت السكاكين/ House of Knives) الذي يروي قصة هروب الشاعرين الى لندن والبيت
الذي إستأجراه وفقرهما ومشاجراتهما الدموية. هناك مشهداً درامياً يلخص أزمتهما
الثنائية والداخلية، فيرلين قادما من السوق يحمل سمكة طازجة لكن رامبو يفتح نافذة البيت ويشتمه على مرأى من الناس
ويهينه ويتهمه بالكسل مما جعل فيرلين يصفعه (بالسمكة) ويعود وحيداً الى باريس.
بدأت الأمسية بنبذة تعريفية عن مؤسسة
(شاعر في المدينة ) الخيرية ثم قراءة مقاطع من قصيدة (المركب السكران) لرامبو في أصلها
الفرنسي ومترجمة الى اللغة الإنكليزية قدمها بطل الفلم (جاك جونز) الذي جسد شخصية
رامبو:
"لم أعد مهتماً بالملاحين على متني
وأنا أنقلُ قمحاً فلامندياً أو قطناً
إنكليزياً
عندما إنتهى ذلك الشغب وغاب العمال عن
ناظريّ
تركتني السيول أهوي حيث أشاءُ"
قُرأتْ بعدها بالفرنسية ثم تلتها
بالأنجليزية قصيدة بول فيرلين (إنها تمطر في قلبي) التي قد يكون كتبها أثناء وجوده في لندن، ألقاها
الممثل(سام سواينبري) الذي أدى شخصية فيرلين في فلم (بيت السكاكين/house of knives).
" إنها تمطر في قلبي
مثلما ينهمر المطر على المدينة
ما هذا الوهن المعتم
الذي يثقل قلبي؟
يالصوت المطر العذب
على الارض وفوق السقوف !
ولأجل القلب المثقل بالكدر
إنهمري يا أغنية المطر "
أعقب ذلك كملة مختصرة عن ظروف إنتاج
الفلم الذي كلف ميزاينة متواضعة وصعوبة إستعادة رامبو وفيرلين في لندن
المعاصرة، لمخرج الفلم والمدير التنفيذي
لمؤسسة شاعر في المدينة (كراهام هندرسون) وكذلك الخطة التي تهدف لتحويل هذا المنزل
البسيط الى مؤسسة رامبو وفيرلين الثقافية
والتي تعنى بتنشيط التبادل الثقافي والترجمة الأدبية بين لندن وباريس وسوف
تضم مكتبة ومتحفاً وصالة لإقامة الأماسي الشعرية وشاشة لعرض الافلام
وكافتيريا.
عُرضَ الفلم بعد ذلك لنكتشف إنه ضم ثلاثة أبطال هم رامبو وفيرلين والراوية التي
أدت دورها بجدارة الممثلة (لوسي تريكير)، هذه الراوية التي ترجمت إنفعالات
الشاعرين بمقاطع من قصائدهما كأنها كانت تتبع آثار اقدامهما ونزواتهما وتلعق حتى
الدماء التي سالت أثناء المشاجرات.
قدم بعد ذلك الشاعر والناقد (ديفيد
هارسنت/ David Harsent
) كلمة موجزة عن رامبو وإستعاد رسائله ( رسائل الرائي) الى إستاذه (ايزامبار) في
شارلفيل وافكاره عن "الحرية الحرة" التي تتجسد في الشعر وكيف يجب أن
يُكتبْ الشعر وكيف سيغير العالم وكيف سيذهب هو الى آخر مدى ممكن حتى التشويش
الكامل لكافة حواسه لخلق قصائد الحرية الحرة ، الحرية التي حلم بها رامبو من خلال
قصائده وحين لم يعثر عليها بالشعر هجره
كليا، "هذا الفتى ذو الستة عشر عاما يعلم باريس كيفية كتابة الشعر بثقة وجرأة
وصلافة!"
بينما بول فيرلين لم يكن يبغي تغيير
العالم بالشعر بل كان يعبّر عن ذاته الوديعة السوداوية التي تعشق الأصوات والرموز
أكثر من الالوان، ذاته الملتبسة الضائعة بين حبه لزوجته وعشقه لرامبو المتمرد على
أنظمة المجتمع كله ، لذلك إنتهى به الأمر الى إدمان الكحول في مقاهي باريس بعد أن
مات تلميذه وعشيقه الثاني (لوسيان لاتينوس/ Lucien Létinois).
توالت القراءات الشعرية بعد ذلك، فصل
في جحيم رامبو وشوارع فرلين وباللغتين
الفرنسية والانكليزية. ثم إستعرضت الشاعرة البريطانية (دارين ريز- جونس/ Deryn Rees-Jones's) المرأة في بعض قصائد رامبو ، قصيدة أوفيليا
التي صنع لها رامبو تمثالا شعريا مذهلا
لشهيدة العشق هذه :
"منذ ألف عام وأوفيليا الحزينة
تخطرُ شبحاً أبيض على النهر الطويل
الأسود
منذ ألف عام وجنونها العذب
يهمسُ أغنيتها لنسيم
المساء"
وقصيدته المبكرة (الى الموسيقى) التي
تظهر نزعاته نحو الأنثى:
" وسرعان ما أقتنصُ الأحذية الصغيرة والجوارب
فأعيد تشكيل الأجساد،
تلهبني حمى عذبة.
هنَّ
يلفينني ظريفاً ويتهامسن
فأُحسّ بالقبّل وهي تصعدُ الى شفتيّ
"
الامسية شهدت حضوراً كثيفاً من الجمهور البريطاني
والفرنسي.
No comments:
Post a Comment