مائدة الماء
أفضل مجموعة شعرية بريطانية لعام 2009
في ظهيرة ممطرة عام
1965، كان المراهق اللاجئ فليب كروس ذو الثلاثة عشر عاماً في مكتبة مدرسته في
مدينة بليموث، يتصفح كتاب للشعر بعنوان (الارض الغربية) للشاعر إليوت. الولد الذي كان
ضجراً وسارح الذهن، وقف شعر راسه دهشةً، حين فتح ذلك الكتاب رغم انه لم يستوعب
كلمة مما قرأ، لكنه أحس ان الشعر مذهل وأن الفهم سيأتي لاحقاً. كوّن هذا الولد
فيما بعد فريقاً موسيقياً مدرسياً باسم (ويست لاند) مستلهماً قصيدة اليوت. يستعيد
فليب كروس، الروائي والكاتب
المسرحي والشاعر الذي أصدر عدة مجاميع شعرية، هذه الذكرى بعد فوزه بجائزة باسم
ملهمه الاول شعرياً. يقول في حفل الاعلان بعد فوزه بجائزة (ت. س. اليوت) الشعرية
البريطانية المرموقة والتي تبلغ قيمتها 15000 باون استرليني، عن مجموعته الشعرية (مائدة
الماء) الصادرة عن (بلوداكس بوكس 2009)، هناك نوعاً من العدالة لفوزه بهذه الجائزة لانه إبتدأ مشواره الشعري من هذا
الاسم تحديداً، وان كتابة الشعر مسؤولية كبرى ومصيرية وعلى الشاعر ان لا يقدم
تبريراً او إعتذاراً عن اشعاره كما لو انه يمارس عملا هامشياً وغير اخلاقي.
المجموعة تتكون من 64
صفحة، وهي تأمل لغوي طويل في أقنية مدينة برستول المائية المتغيرة بإستمرار، هذه
المجموعة تنافست على الجائزة مع مجموعة (بعثرة) للشاعر المعروف كريستوفر ريد
الفائز بجائزة كوستا الشعرية، مع ثلاثة فائزين سابقين للجائزة ذاتها، وسميت (مائدة
الماء) كافضل مجموعة شعرية صدرت في بريطانيا لعام 2009. استلم الشاعر فيلب كروس مبلغ
الجائزة النقدي من قبل ارملة اليوت (فالري) في كالري والس في لندن.
الجائزة تسلط ضوءاً مشعاً
على الفائز بها، من قبل القراء أو النقاد، وفليب كروس المنحدر من عائلة أستونية
لجئت الى بريطانيا بعد الحرب الثانية والمترعرع في مدينة بليموث على الساحل
الجنوبي للممكلة المتحدة، مثله كمثل تيد هيوز وسيمونز هيني وكارول آن دوفي وكلهم
فازوا بهذه الجائزة من قبل.
شارك فليب كروس أستاذ الكتابة
الإبداعية في جامعة كلاموركان في جنوب ويلز، بعدة قراءات شعرية بعد فوزه بهذه الجائزة التي منحته ايمانا
مضاعفا بمجموعته التي تتمحور حول ثيمة بسيطة وهي الطبيعة المتغيرة للمياه لكنه
يضيف ان العالم سواء كان الطبيعي او المصنوع من قبل الانسان، قد يُعكس بمرآته
المائية هذه.(مائدة الماء) كما تصفها لجنة التحكيم، نصوص شعرية على درجة عالية من
النضج اللغوي والشفافية، تستلهم الحلم في بعض فصولها لكنها تتعامل في نهاية المطاف
مع السؤال الجوهري للوجود الانساني على سطح هذا الكوكب. وهي حصيلة تأمل طويل،
للشاعر بخطوات خفية لحركة المياه المتغيرة والمعالم المستحدثة من قبل الانسان،
التي تحيط بالمياه.
قصيدة مثل (في ثنايا الارض) تحاور إمكانية رؤية المياه بعدة اوجه وحالات:
يمكنه للابد
الإضطجاع على غرينه، يحاول دائماً
ان يكون شئ آخر، أن يصير سماء
أن يضيّع ذاته في الانعكاس المطلق.
يقول كروس :" ان
الاحساس بالماء لاشئ في حد ذاته، وبما ان طبيعة المياه الشفافة، عاكسة لكل شئ
بطريقة تمكنك من رؤية العالم المعكوس في زوايا المياه الجارية. لو تنظر الى مصب
نهر سيرفن وهو أطول نهر في المملكة المتحدة ستراه بلونين، أزرق وبنيّ في ذات الوقت
لانه ببساطة يعكس الارض والسماء، المياه من اكثر الاشياء خداعاً حين ننظر اليها، ماهرة
فقط في سحب الاجسام الى الأسفل بفعل الجاذبية وخلال عملية السحب، سوف تكوّن أنماطاً
حركية لانهائية بالغة الدقة والتعقيد. ويبدو ان الشاعر فليب
كروس مهووس بالمياه التي جاورها طوال حياته، كصبي ريفي ترعرع في شمال مقاطعة
كورنول، ثم عاش شطرا من حياته في الجانب الغربي لقناة مدينة برستول، واخيراً في
كاردف عاصمة مقاطعة ويلزالشهيرة بخلجانها وأقنيتها المائية. يصف فليب كروس الخليج
الذي يفصل مقاطعة ويلز عن انكلترا: " بجسم مفتول العضلات يحمل المد والجزر الهائلين. انها كتلة ضخمة من المياه
تخترق كل شئ حولها". القصائد تستعرض ايضا العالم الذي طرزه الانسان بطبيعته والوقائع
التي إبتدعها على الارض وجعلها في صفه لخدمته اولاً وأخيراً.
قصيدة (فانتازيا)
تستوحى ثيمتها من محلات الاثاث العالمية (اكيا) وكيفية التفنن في الاعلان لجذب المستهلكين لدرجة تجعلهم:
" يتعثرون بدهشتهم
لكي يروا، في النهاية،
انها مجرد سقيفة".
وتستمر القصيدة:
" خذ مربع
صندوق،
متجعد مثلما بفعل
رافعة،
ومطليّ بالازرق والاصفر
والبنيّ من أحد جوانبه،
إطلق عليه إسماً ما
وسيغدو عالماً.
وهناك تلميحات غير
مباشرة للبيئة البكر في عدد من القصائد كأنها تحفيز لأن يكون الكاتب والشاعر واعياً
ومنتبهاً للمتغيرات المحيطة، كروس ياخذنا بمهارة باتجاه فيضان عظيم لاستدعاء مخاوفنا
كبشر للمحافظة على كوكينا المائي، القصيدة من وجهة نظره، إهتمام استثنائي بتفاصيل
العالم الذي يحيطنا.
الصمت وحدوده شكلا
أيضاً جانباً مهماً في (مائدة الماء)، والصمت صفة يعزوها الشاعر جزئياً الى تأثير
أبيه الإستوني عليه، ويقول انه اتقن في طفولته لغتين: الإنكليزية والصمت. "كنت
أحدس كطفل ان هناك شيئاً ما لا يقال امامي، فأبي خرج من سنوات الحرب في بلده وكأنه يريد أن يتجاوز أزمته
دون كلام، ولهذا انا مهتم جداً بالشعر الذي يستلهم الكلمات والصمت معاً لكني اريد
ان اخلق رنيناً مسموعاً لهذا الصمت".
أخيراً، مجموعة (مائدة
الماء) هيئة كثيفة وملتبسة من المياه تمدد في صميم قصائد على درجة عالية من الشفافية والتركيز، ثيمتها
الاساسية في إستمرارية صورها الشعرية الحية، سواءاً اللغوية أو الموضوعاتية.
No comments:
Post a Comment